أحمد النحاس يكتب: القوة الناعمة ومصر العظمي

الفن مُرادف للإبداع ؛ مُترجم للتفرد ؛ كاشف للموهبة؛ مُحقق للطموح؛ ولكن عندما تُذكر كلمة ” فن” أول مايتبادر إلي الذهن الغناء والتمثيل !!؛ وكأن الفن صار حكراً عليهما !!؛ رغم أن الشعر فن .. الرسم فن .. النحت فن..السياسة فن ..حتي الضحك علي الذقون أيضاً فناً .

ومن عجائب أم الدنيا أن الصخب والهرج والمرج والحالات الهستيرية وحفلات الزار – التي تَصُم آذاننا يومياً مما تُسمي زوراً بأغاني ” المهرجانات ” يُطلق عليها فناً !!؛ ومن عجائبها التي لا تنتهي أن السفه والسوقية والابتذال والإغراق في الجنس – الذي لا يخلو منه عملاً درامياً الآن – يُسمي فناً ؛ الفن رسالة .. ولكن يبدو أن أهله أصبحوا لا يفمهون ذلك ؛ أو فلنقل أنهم يتجاهلون الفهم الصحيح لقيمة ومعني ومغزي ” الفن”؛ فبدلاً من أن يكون الفن رسالة صار – علي أيديهم –  ” سفالة ” !!

ومنذ أن اقتحم عالم الغناء والتمثيل تجار اللحوم وتجار السموم وأصحاب الأموال مجهولة المصدر – في منتصف عهد مبارك – إنحدر الذوق العام للمجتمع ؛ وشوّه الفن مصر الجميلة بزعم الواقعية !!؛ رغم أن ما يقدمونه أبعد ما يكون عما زعموا ؛ اللهم إلا في خيالهم المريض؛ وبدلاً من تقديم مواطن الروعة والتفرد والجمال في مصر؛ صوروا أم الدنيا علي أنها بؤرة العشوائية؛ وبيوتها قذارات؛ وشوارعها خرابات؛ وشبابها بلطجية؛ ورجالها مدمنون؛ ونساءها ماجنات !!؛ هل هذه هي مصر؛ صوروها – كذباً وبهتاناً – للعالم بهذه الصورة المقززة تحت زعم الواقعية؟!؛ أي واقعية في ذلك يامُخنثي الفكر ومعدومي الإبداع؟!

مصر التي نعرفها ونعيش في رحابها هي أم الدنيا؛ مصر جنة الله في أرضه؛ مصر العزة والنخوة والكرامة والشرف؛ مصر القابضة علي دينها وقيّمها ومُثلها وعاداتها وتقاليدها وعروبتها؛ مصر التاريخ والحضارة والجمال والنضال؛ شبابها قوة ؛ ورجالها عزوة؛ ونساؤها “مريم”؛ وجندها خير أجناد الأرض؛ مصر يامدعي الواقعية أكبر منكم ومن أمثالكم؛ شوهتم صورتها ؛ وأفسدتم ذوقها العام ؛ وأفرزتم لنا جيلاً قدوتهُ بلطجياً وأمنيتهُ داعرة؛ ومبدأهُ البقاء للأقوي وغايتهُ تبرر الوسيلة!!

الغريب والمُريب والمُذهل والمُحزن هو صمت الدولة تجاه هؤلاء !!؛ في العهد البائد لم يكن النظام وقتها يُعير إهتماما لسمعة مصر ولا ينظر بعين الرحمة لأجيالها الناشئة ولا حتي القادمة؛ أما الآن ونحن نبني مصر العظمي؛ يجب أن تضع الدولة في مقدمة أولوياتها إعادة فن التمثيل والغناء إلي مساره الصحيح؛ وأن تعود رسالته كما كانت: “الخير ينتصر.. والشر يندحر.. والعزة والفخر في الحفاظ علي القيم.. والبقاء دائماً وأبداً للوطن”؛ فالفن هو قوة مصر الناعمة؛ ولا يحدثني أحد عن حرية الإبداع؛ فما قدموه وما يقدموه وما سيقدمونه لا علاقة له بالإبداع من قريب أو بعيد؛ أنت حر مالم تضر؛ وما فعلوه وما يفعلونه أضرّ بمصر كثيراً كثيراً؛ فهل آن الأوان لإعاده فن التمثيل والغناء إلي حضن الإبداع؟!؛ هل آن الأوان لنزع الطفيليات من ثوب الفن الجميل؟!؛ هل آن الأوان لعودة الريادة الفنية لمصر العفية؟!؛ أم أن مسلسل العري والإسفاف والسوقية والابتذال والتدليس والتشويه وإفساد الذوق العام سيظل مستمراً؟!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى