نور القاضي تكتب: قُوة الإنسحاب..الإنسحاب بين الضّعف والقُوة

عِنْدَمَا نَذْكُر كلمة “إنسحاب” يتبادر لأذهان الكثير مِنّا معنى الهروب والضعف. فقد رأى البعض أن هذا الإنسحاب يعتبر هُرُوبًا.. هروب من الإستمرار.. هروب من المسؤلية.. هروب من المواجهة.. أَيَاً ما كان نوع الهروب فقد رأوه ضَعْفًا وَخَوْفًا..  وَلَكِن فَلنَتَسَاءل هل حَقًّا يُعْتَبَر الإنسحاب هُرُوبًا وَضَعْفًا؟؟ هل فُرِضَت علينا دَائِمًا المقاومة والإستمرار وإلا سَنوَّصَم بِوَصمة الضعف والسلبية؟؟. وتأتى الإجابة من خلال وَاقَعْنَا وَتَجَارِبنا وخِبرَاتِنا فى الحياة لِتُنِير لنا عتمة ما كنا سَنَعِيشه للأبد فى المعاناة والعذاب، وهي أن ليس كل إنسحاب ضعف وهروب ولكن فى معظم الأوقات يكون هو الحل الصحيح والوحيد فى توقيت معين وفى حالات معينة. فإذا بدأت سفينتك في الغرق هل ستبقى حتى تغرق وتهلك؟ أم ستلجأ إلى أقرب قارب نجاة لتنجو بنفسك؟ هل إنسحابك وهروبك فى هذا التوقيت قوة أَم ضعف؟  كذلك هي حياتنا بعلاقاتها ومعارفها فقد تجد منها ما يُسعِدَك وقد تجد أيضا ما يؤذيك. فإذا وجدت ما يؤذيك فما وجه الإستفادة من الإستمرار في علاقة مؤذية لا تجني منها سوى المتاعب والهموم؟

هل خوفك من أن تُوصَف بالمُنسحِب وَتُنعت بِالضَّعْف يُجبِرَك  على أذى روحك و تَقبُل ما لا ترضى؟؟ اعتقد أَنْ هذا هو الضعف الحقيقي والعكس صحيح. فإن إنسحابك عندما تُجْرَح وَتُؤذى وَتَتَأَلَّم.. عِنْدَمَا لَا يَشْعُرُ بِك مِنْ تَكِنْ لَهُ كل المحبة.. عندما تكون في مكان غير مكانك أو فى مكان لا يعطيك قدرك أو علاقة لا تعطيك التقدير المرجو منها، حينها يكون الإنسحاب قوة وأكبر قوة. قوة أعطيتها لِنَفْسِك وَمِن نَفْسِك فأنت الْمَنْبَع وَأنت المَصبْ  لأنك ما رضيت بالإهانة ولا استسلمت لواقع لا يُرْضِيك ولا تأقلمت مع التجاهل وعدم التقدير. يكون قوة عندما رَأَيْت جَبَل الثَّلْج من على بُعْد فَغَيَّرْت اتِّجَاهٌ الدَّفَّة بمنتهى القوة كي لا تصتدم بصلب المتاعب والهموم.. مؤشرات كثيرة لمستقبل مليء بالمشاكل والمتاعب والآلام فيكون إنسحابك الْمُبَكِّر قوة وإرتقاء لذاتك لأنك أحسنت تقديرها وأبعدتها عن ما يؤذيها.

وعليك أن تتذكر جَيِّدًا أن “دَائِمًا ما يكون الوقت مُبَكِّرا للإنسحاب” (نورمان فينست بيل). وذلك بالتأكيد أفضل من الغوص فى أعماق الأحزان وخسارة المزيد.
” فَنّ التَّخَلِّى” دَائِمًا ما نسمع هذه العبارة وَتَمُر عَلَيْنَا مرور الكرام ولكننا نقف الآن أمام تساؤلات عديدة. هَل حَقًّا التَّخَلِّي فَنّ؟ أَلَيْس التَّخَلِّى شَيْئًا سَلْبِيًّا؟ وإذا كان شَيْئًا إيجَابِيًّا متى علينا أن نتمسك بقوة ومتى علينا ان ننسحب بهدوء؟ وإذا تَمَسَّكْنَا وتَحَملنا من أجل الإستمرار إلى متى سَنَتَحمِّل؟ وهل سيتغير الحال للأفضل في المستقبل؟ وتأتى الإجابة وتصدمنا بالتأكيد وهي إننا سوف نتحمل للأبد. إذَاً لِمَاذَا نُحْمِّل أنفسنا مالا تُطِيق فأشجار الأذى لَا تُنْبِتُ غَيْر ثِمَار التعب والألم . فَإِذَا وَجَدَتْ أَرْضًا بُورًا فلا تحاول أن تزرعها بالورود.

وَتُجبِرنا الْحَيَاة بطبيعتها على بعض الأشخاص وتفرض علينا بعض العلاقات فَرْضًا مِثْل علاقات العمل والقرابة وخلافه. فتجد نفسك متورط في علاقة مرهقة ومؤذية. فإذا كنت أخطأت في إختيارك لِبَعْضٍ منها، فالخطأ الاكبر هو إستمرارك في الخطأ. فليس كل إستمرار نجاح وليست كل مقاومة صحيحة، ففى حالات الغرق لا تقاوم فتغرق اكثر وتهبط في الأعماق.
“إنسحابٌ جيد خير من مقاومة سيئة”

وفي النهاية _عزيزى القارىء _عندما تكتشف أن المكان ليس مكانك وأن الزمان ليس زمانك وأن الإحساس ليس كإحساسك بهم.. عندما يصبح إحساسك في إتجاه الذهاب فقط.. عندما تشعر بأن قيمتك بدأت فى التلاشي ودورك بدأ فى التهميش.. عندما تَشْعُر بأنهم وجدوا البديل ..عندما تَشْعُر بأن الأشياء من حولك لم تَعُدّ تُشبِهك وأن مُدَن اَحلاَمك الَّتِى بِنِيَّتِهَا بِنَفْسِك ماعادت تتسع لك..

حينها لا تتردد وإنسحب في صمت. فَلْتُهْدِي نفسك ما يليق بها وإن لم يَكُن فإن الإنسحاب أكرم. ولتُعطي أفضل وأجمل ما عندك لمن يستحق فقط. وَلَا تُجْبَرُ نَفْسِك على تَقَبُل مَا يُؤْذِيك ولا تُجْبَر الآخرين أيضا على تقبلك فَنَحْنُ لَا نُجْبَر أَحَدًا عَلَى إعْتِناقٌ أَرْوَاحنَا.
ولتَتَذكر دَائِمًا أن “الإنسحاب الذي يحفظ كرامتك بحد ذاته إنتصار”. باولو كويلو

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى