المزارع الأردني يواجه مشكلاته وحيدا بانتظار تخفيض الضرائب

كتبت/ مني تامر

غاب هدير المزارعين عن سوق الخضار المركزية في منطقة ديرعلا بالأغوار الوسطى، وساد الصمت في ساحات المناولة والمبيعات، وتوقفت عجلات ناقلات الخضار عن الدوران، فلا تسمع صوتا للدلالين والوسطاء “الكمسيونجية” ينادون على أصناف الخضار.

انتقل المزارعون من حقولهم إلى ساحة مجاورة للسوق المركزية لتنظيم اعتصام احتجاجي على تدنّي أسعار منتجاتهم، ولعرض مشكلاتهم التي يواجهونها منفردين، حتى باتت تكاليف جمع المحاصيل وترتيبها وتوريدها إلى السوق ترهق كاهلهم، مما اضطر بعضهم إلى مغادرة مزارعهم وتركها مرعى للماشية.

ويعاني القطاع الزراعي في الأردن جملة من المشكلات، أهمها إغلاق باب التصدير إلى دول الجوار وتركيا وأوروبا الشرقية وروسيا، وزيادة كميات الإنتاج بما يفيض عن حاجة السوق المحلية، وارتفاع تكاليف مدخلات الإنتاج، وفرض رسوم وضرائب على القطاع، وارتفاع أثمان المياه الزراعية المسالة لهم، إضافة إلى ارتفاع كلفة الطاقة، وذلك وفق مزارعين.

تركناها للماشية

إن المتجول بين مزارع ديرعلا في الأغوار الوسطى، غربي العاصمة عمان، يسمع ويرى كثيرا من قصص الفقر والحرمان وبطالة الشباب والفتيات وصعوبة المعيشة هناك، فضلا عن تراجع إيرادات المشروعات الزراعية وتراكم الديون.

مزارع هجرها أصحابها بسبب تدنّي الأسعار

 

المزارعة هيام أبو مريم ما إن شاهدتنا بين الحقول حتى بدأت بالشكوى. تقول  إن ظروف المزارعين صعبة والمواسم الزراعية المتتابعة خلال الأعوام الخمسة المتلاحقة سيئة جدا ولا تغطي تكاليف الزراعة.

وتضيف هيام أن مستلزمات الإنتاج غالية من أثمان مياه إلى قيمة إيجارات الأراضي وأجور العمال والأسمدة والبذور والنقل، وأسعار الخضار المنتجة لا تغطي 50% من تلك التكاليف.

يتجاور مع المُزارعة هيام المزارع أمجد غالب الذي يتوارى عن الأنظار مخافة إلقاء القبض عليه وسجنه لتراكم الشيكات البنكية عليه.

زرع غالب هذا الموسم على أمل أن يكون أفضل من المواسم السابقة، لكنه لم يحصد من مزروعاته إلا القليل، ويقول “لم يعد معي أي سيولة لأدفع أجور عمال القطاف، وأثمان الصناديق والنقل إلى السوق المركزية، صندوق الكوسا يكلفني 1.4 دينار (دولارين) قبل وصوله إلى السوق، وهناك يباع بـ70 قرشا (أقل من دولار)، يعني خسارتي 50%، مما دفعني لترك المزرعة ترتع فيها الأغنام والأبقار”.

ويتناقل المزارعون في جلساتهم الأخبار عن زملاء لهم تم سجنهم لعدم تسديد القروض البنكية المترتبة عليهم.

الزراعة لم تعد مجدية

المزارع حرب شحادات خدم في العسكرية 20 عاما، وبعد تقاعده عاد إلى مهنة آبائه في الزراعة، وحصل على قرض من مؤسسة الإقراض الزراعي (مؤسسة حكومية) بدأ به مشروعه منذ  10 سنوات، لكن ظروف العمل لم تساعده في تدبر أمور حياته.

يقول شحادات  “إن الزراعة لم تعد مجدية، فالتصدير متوقف والسوق المحلية فائضة بالمنتجات، والأسعار متدنية جدا، والعمالة المصرية التي نعتمد عليها في المشروعات الزراعية مفقودة وتكاليف تصاريحها غالية، إضافة إلى الضرائب والرسوم المفروضة على القطاع الزراعي، وغلاء مستلزمات الإنتاج، كل ذلك دفع بالمزارع إلى هجر أرضه، والبحث عن وظيفة أخرى”.

 عرض للمشكلات دون حلول

وزير الزراعة، محمد داودية، استعرض في حديث للتلفزيون الأردني قبل أيام جميع هموم ومشكلات المزارعين، لكنه لم يتطرق إلى حلول لتلك المشكلات، فـ”الوزارة لا تملك لهذه المشكلات حلا، وتعجز عن إسعاف القطاع، وهناك حاجة إلى التحرك باتجاهات مختلفة”، كما قال داودية، مضيفا أن هناك ارتفاعا في أسعار مدخلات الإنتاج، ورسوما كبيرة على المزارعين ينبغي تخفيضها.

وأوضح أنه وضع رئيس الوزراء، بشر الخصاونة، في صورة واقع القطاع الزراعي وسيتم اتخاذ إجراءات لحماية المزارعين.

معاناة المزارعين في الأغوار لا تقف عند الأردنيين فحسب، فالمزارعون الباكستانيون العاملون في الزراعة منذ عشرات السنين أصابهم الضرر أيضا.

عبدالله البلوشي (35 عاما) يعمل في الزراعة منذ طفولته. يقول -للجزيرة نت- إن هذا العام والسنوات الخمس الماضية من “أسوأ السنوات على المزارعين، فنحن في خسائر متتالية”.

وتشهد المناطق الزراعية في الأردن استقرار آلاف العائلات الباكستانية منذ ستينيات القرن الماضي للعمل بالزراعة.

 أصناف متشابهة

وفي السوق المركزية للخضار بديرعلا، أينما توجهت تجد الكل يشتكي، العتّال وصاحب سيارة النقل وأصحاب مخازن الصناديق ومكاتب الإرشاد الزراعي وشركات البذور والأسمدة والمبيدات.

أحمد الختالين: أمام الحكومة حلول عدة لإنقاذ القطاع الزراعي أهمها فتح أسواق خارجية

 

مدير سوق الخضار، أحمد الختالين، قال  إن من أسباب مشكلات المزارعين زراعة معظمهم أصنافا متشابهة خاصة الخيار والبندورة، وتداخل مواسم الإنتاج الزراعي في مناطق الأغوار والشفا، واستمرار إنتاج المناطق الصحراوية شرقي المملكة.

وتابع ختالين أن أمام الحكومة حلولا عدة لإنقاذ القطاع الزراعي منها عاجلة ومنها طويلة الأجل، وأهمها فتح أسواق خارجية، خاصة مع روسيا وجورجيا وأوكرانيا وأوروبا الشرقية عن طريق تخفيض أسعار النقل التجاري بالطائرات، وإعفاء المزارعين من قروضهم، أسوة بدعم عمال المياومة والقطاع الخاص والاستثمارات، وتدخل وزارة الصناعة بتحديد سقوف سعرية في حال تدنّي الأسعار لمصلحة المزارع، كما تتدخل في تحديد الأسعار في حال ارتفاعها حماية للمستهلك.

 الأمن الغذائي

وخلال جائحة كورونا وحظر التجوال والإغلاقات وشح المستوردات، استطاع القطاع الزراعي تحقيق الأمن الغذائي للمملكة دون أي نقص.

ووفق اتحادات زراعية فليس هناك إرادة سياسية حقيقية لإنقاذ القطاع الزراعي، فحتى في التشكيل الحكومي للوزارات لا تحتسب وزارة الزراعة من الوزارات السيادية، بل تعامل معاملة هامشية، ويتم تعيين وزراء زراعة للترضية، حيث إنه في إحدى السنوات تم تغيير 3 وزراء زراعة خلال عام واحد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى