تمكين المرأة على طريقة هوليود.. عنصرية البيض تسيطر على صناعة السينما

كتبت/ فاطمة محمد

يعد “روغ” (Rogue) الذي صدر في الولايات المتحدة في شهر أغسطس/آب، من بطولة الممثلة ميغان فوكس التي تؤدي دور قائدة مجموعة من المرتزقة تسافر إلى أدغال أفريقيا لأداء مهمة إنقاذ، فيلما من الدرجة الثانية (أفلام الحركة والإثارة منخفضة الميزانية).

في هذا التقرير الذي نشرته مجلة “فورين بوليسي” (Foreignpolicy) الأميركية، قال الكاتب نوح بيرلاتسكي إن النسوية والاستعمار في هذا الفيلم متشابكان أيديولوجيًا، فقيام امرأة بدور البطولة في فيلم إثارة يعني أن تكون منقذة بيضاء، أو امرأة بيضاء قوية مثل طرزان، أو كليهما بشكل مثالي.
وتدور أحداث الفيلم حول محاولة سام -وهي قائدة مجموعة من المرتزقة- إنقاذ أسيليا (أدّت دورها الممثلة جيسيكا ساتون) التي اختطفتها مجموعة من مهربي البشر الذين يأملون في استخدامها للضغط على والدها (حاكم المنطقة).
وبعد فشل الخطة جزئيًا بسبب اتخاذ سام قرار إنقاذ فتاتين أخريين، لجأ الفريق إلى مزرعة مهجورة لتربية الأسود، وهناك أصبح يتعين على سام محاربة المهربين الإرهابيين، والدفاع عن سلطتها أمام من يتحداها، والعمل على إثبات أن “الإناث هن القاتلات الحقيقيات”.

 

ومثل العديد من النساء في هوليود، يُذكر أن فوكس تحدثت في الأعوام الأخيرة عن التحيز الجنسي وكره النساء في صناعة الأفلام. وفي فيلم “فتيان أشقياء 2” (Bad Boys II) طُلب منها أن ترتدي ملابس سباحة وكعبا بطول 6 بوصات. ثم في سلسلة أفلام “المتحولون” (Transformers) رفض المخرج مايكل باي منحها أي توجه تمثيلي باستثناء أن تكون “مثيرة فقط”.
وأشار الكاتب إلى أن فيلم “روغ”، من إخراج المخرجة إم جي باسيت، يعدّ بمنزلة ردّ جزئي على الطريقة التي شوه بها المخرجون الذكور صورة فوكس في الماضي. وفي هذا العمل صوّرت فوكس كامل المشاهد وهي ترتدي معدات قتالية دون أدنى تلميح لأي حبكة فرعية رومانسية.
وعلى عكس رؤية المخرج باي، لم يتم تصوير فوكس في هذا الفيلم على أنها مجرد مساكشة بلهاء، بل صُوّرت مقاتلة مختصة ورائعة، معتمدة على نفسها، وبطلة الفيلم بلا منازع. ولكن لم تكن سام مجرد بطلة لكونها منعزلة وقليلة الكلام، بل لأنها كانت تنقذ النساء البيضاوات من الأفارقة الخطرين الذين يهددونهن بالتعذيب والاعتداء الجنسي الجلي.
وبوجه عام، يصوّر الفيلم ضمنيا القوالب النمطية الثقافية المتعلقة ببراءة النساء البيضاوات والتهديد الذي يجسده الذكور السود وذوي البشرة البنية. وفي الواقع، استُخدمت هذه الروايات بشكل سيئ لتسويغ الإعدام خارج نطاق القانون والعنف العنصري ضد السود، مثل الصبي إيميت تل البالغ من العمر 14 عامًا الذي اتُهم زورًا بمعاكسة امرأة بيضاء، أو قضية سنترال بارك التي أدين فيها 5 شبان زورًا باغتصاب امرأة بيضاء في عام 1989.

وأوضح الكاتب أن هوليود لا تزال تستخدم الذكور من ذوي البشرة السمراء والبُنّية لتجسيد أدوار المهربين والمغتصبين لتسويغ العنف المفرط، مثلما حدث في فيلم “تيكن” (Taken) (الصادر في 2008)، أو في فيلم الحركة والإثارة “رامبو: الدم الأخير” (Rambo: Last Blood) (الصادر في 2019). أما في فيلم “روغ”، فقد تم تصوير الكثير من المشاهد لسام وهي ترتكب جرائم قتل خارج نطاق القضاء بحق رجال ملونين يهددون الفتيات البيض.
واللقطة الأخيرة من الفيلم عبارة عن رسالة عامة عن مساوئ الصيد الجائر وتربية الأسود. وقد أسهم انتصار سام الدموي على الرجال الأفارقة في منحها قوة وشراسة ارتبطت تاريخيا بأفريقيا.
وفي أحد المشاهد أنقذت سام رجلًا أسود أفريقيا لتؤكد له فيما بعد أنه أصبح رجلًا، ولتصبح بذلك الحَكَم في التقاليد الثقافية السوداء، ومنقذة الحياة البرية الأفريقية التي يفشل الأفارقة الأنانيون وضيّقو الأفق في تقديرها، وفقا للفيلم. وعلى غرار شخصية طرزان أو ألان كواترمين، أو شخصية الشبح وغيرهم من الأبطال الاستعماريين، فإن بياض سام يسمح لها بتوجيه وتجسيد القوة الأفريقية على نحو أوفى وأكثر نزاهة مقارنة بالأفارقة السود أنفسهم، وفقا للكاتب.
وذكر الكاتب أن العديد من النقاد أشاروا إلى أن فيلمين بارزين آخرين من أفلام الأبطال الخارقين التي تستأثر فيها النساء بدور البطولة، مثل فيلم “المرأة الخارقة” (Wonder Woman) ( الصادر في 2017)، وفيلم “كابتن مارفل” (Captain Marvel) (الصادر في 2019) يستخدمان أيضًا الترميز العسكري والإمبريالي لمصلحة تمكين المرأة.
ففي فيلم “المرأة الخارقة” التي ترتدي الأحمر والأبيض والأزرق تفوز البطلة بجدارة في الحرب العالمية الأولى بمساعدة صديقها الطيار الحربي الأميركي، وتنقذ مجموعة من الأوروبيين متعددي الأعراق.

عنصرية هوليود
أما كابتن مارفل التي كانت تعمل في السابق طيارة حربية، فقد منعت الإبادة الجماعية التي كانت تخطط لها مجموعة من الزواحف متغيرة الشكل -التي تبدو بدورها غير مريحة مثل القوالب النمطية المعادية للسامية- في سباق عسكري شرس، حسب ما يرى الكاتب.
وبين الكاتب أن النساء البيض في هذه الأفلام يرمزن إلى البسالة من خلال ربطهن بالتدخل العسكري الأميركي، فهن قويات ومستقلات ورائعات وجيدات لأنهن ينقذن الأشخاص الضعفاء.
وقد تبدو الروايات التي توظف العنصرية والاستعمار لتضخيم بعض البطولات البيضاء صارخة وشديدة، لأننا لم نعتد على رؤية النساء يتمتعن بالقوة في أفلام الحركة والإثارة في هوليود على هذا النحو. ولكنها قامت بتمكين بطلات الأفلام ببساطة من خلال جعلهن يؤدين الأدوار التي عادة ما يضطلع بها الأبطال الذكور البيض.

وتطرق الكاتب إلى بعض الأفلام التي لا تختزل تمكين المرأة في الاستعارات العنصرية الاستعمارية، حيث تفادت أعمال مثل “النمر الرابض والتنين الخفي” (Crouching Tiger, Hidden Dragon) الذي صدر عام 2000 للمخرج أنغ لي، وفيلم “ماكس المجنون: طريق الغضب” (Mad Max: Fury Road) الذي صدر عام 2015، التقصير الذي وقعت فيه هوليود من خلال الانتظام بشكل أكثر وضوحًا في الحركة النسوية أو ضم أبطال غير بيض.
وفي الحقيقة، على الرغم من بعض الاستثناءات، تظل هوليود غير قادرة على تخيل تمكين المرأة بعيدا عن الهيمنة على الشعوب المهمشة أو المستعمرة. ومثلما تأتي القوة الجيوسياسية العالمية من مصادرة ثورات الشعوب الأخرى، فإن التمكين التصويري ينشأ من ممارسة سلطة الحياة والموت على هذه الشعوب بحد ذاتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى