الحلم والإيمان

بقلم/ عمر ابو الحسن

(كُن صادقاً في إختيار حُلمك أول الطريق….فَقط يتحقق آخره….وتندم بشدة)
يا قومي… للأسف لم نتدرب كفاية على إنتقاء أحلامنا, فصغارا كان أهلونا من يختاروا أحلامنا ويخيرونا بين أصناماً صماء معدودة لنقدم لها القرابين من زهر طفولتنا وجذوة شبابنا, فإما أن تحلم بأن تكون من إتباع الطب أو الصيدلة أو الهندسة أو الشرطة أو الطيران أو……, وإما ان تكون حرا طليقا تختار لنفسك حلمك الصادق موافقا لما وهبك الله به من مميزات بداخلك خلافا لكل تلك الأصنام وحينها تتحول إلى فرد فاشل يزدريه المجتمع المؤمن بأصنامه ولا يوقر أو يحترم من إتخذ غيرها بديلا وتحول عنها تحويلا.

قد تبدو كلماتي درباً من المبالغة ولكنك تعلم علم اليقين أنها مطابقة لواقع أليم فيه الضحايا أنا وانت وأجيالاً قضت وأٍخرى ستأتي إذا لم نوخز بعضنا بعضاً بنصل الحقيقة علنا نستفيق قبل أن ننفث السم الموروث في عقول أطفالنا ونحن نحسب أننا نحسن صنعا فنخسر جيلا جديدا ونحوله واقعا عاجزا.
يا قومي…الحلم الحقيقي دائما يبدأ بالصدق, فكم كاذبا في حلمه ضل طريقه “فندم” وأسترجع وبحث من جديد عن حلمه الصادق بعد أن دفع فاتورة توبته سنين ثِمان من عمره, وكم ممن ضل طريقه فأستكبر ان يتوقف وأكمل في ضلاله فأفنى عمره واهلك نعمة الحلم التي رزقه الله.

فكم طبيبا تعرفه انت وانا خالف فطرته ومميزاته ومواهبه فدخل الطب فقط لتقديره العالي ومن خلفه رماح عائلته التي توخزه ليحقق لها وجاهة واسما بين العائلات, فأصبح الحلم الكاذب حملا نكدا مفرغا من رسالة الطب الرحيمة فتحول الى تاجرا يجزر الضعفاء ويسلبهم أعضائهم في سبيل المال, وكم مهندسا زُج به خلف القضبان لفشله في تصميماته ودفن عائلات بأكملها تحت ركام تقصيره, وكم مدرسا ومدرسة لا نذكرهم الا بكل مرارة ممن آلموا ايادينا الصغيرة في زمهرير الشتاء القارص بعصيان خشبية ومعدنية تفننوا في تصميمها وتزينها لتنال من أجسادنا, وكم منهم رمى بطفل صغير خلف باب الفصل بجوار سلة الزبالة ليحكم سيطرته على باقي التلاميذ ويغدوا اسمه مرعبا لهم فيتحولوا في حصته الى تماثيل خشبية ساكنة من الخارج قلوبها ترتعش حتى يدق الجرس..جرس الافراج.

وعلى الجانب الآخر ومن نفس الأمثلة ذاتها نقابل مجدي يعقوب وطبيب الغلابة أمثلة أيقونية لرحمة الطب ورسالته فتركت الغنى والشهرة وأختارت مداواة المحتاج فجاءتهم الدنيا وهي راغمة وخلدت نياتهم أسماؤهم, وحسن حمدي الذي سخر هندسته لتصميم بيوت آدمية لفقراء النوبة وهو يقول:”ماذا ساقول لربي إن أستطعت أن أخفض درجة حرارة المنزل لتلك العائلة الفقيرة بإتقان تصميمي ولم أفعل؟”, وكذا كل مدرس ومدرسة كانت سببا في حبك الشديد لمادتهم الى الأن…
هذا والكثير من أمثلة الصنايعية وأهل الكشري والكبدة ودكاكين البقالة والسواقين ممن قابلتموهم قطعا فأعطوكم مثلا في صدق التوكل على الله وصدقهم في إختيار أحلامهم فتميزوا واستحقوا الغنى..وتحولوا “لأبو طارق” و”البرنس” والحاج الطيب “صاحب إسطول النقل او طابور التاكسيات”.

يا قومي…ربوا أبنائكم على أن الله غني ولا شريك له في رزق العباد, وأنه أنزل للنجاح والغنى قوانين ثابتة من آمن بها وطبقها نجح واغتنى وإن كان أميا, ومن غض الطرف عنها افتقر وآسى الأمرين وإن كان تعليمه خواجاتي…وإن صار مدير البنك الدولي, فسوف يعيش بنقص في داخله أنه تخلي عن مميزاته وأستبدلها بظلمات المرتب والوجاهة الإجتماعية والمسمي الوظيفي.
ياقومي…أعرف أن الحل صعب ولكنه الفرق بين الإيمان الحقيقي والتوكل على الله وبين ضلال الأصنام التي بنيناها وأرتجينا الغنى والفلاح منها فلم نزدد إلا ما نرى.
ياقومي…إتقوا الله في أبنائكم وحافظوا على فطرتهم حتى ترشدهم الى الحلم الصادق الذي أعده الله لهم ليعمروا به الأرض.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى