حدث بالفِعل: الدرس اللي إتعلمته بعد 33 سنة

كتب/ عمر ابو الحسن

(ربنا محدد لكل واحد فينا طريق نجاحُه..بس للأسف إحنا اللي بنحب نجرب طُرق تانية..فبتيجي على دماغنا في الآخر)
لما رُحت أقدم في الجامعة الأمريكية عشان أدرس دبلومة في الإدارة بعد ما دبرت أول أقساطها بطلوع الروح, وبدون أدني يقين إني إزاي هاقدر أتصرف في باقي أقساطها الخمسة..فوجئت بموظف التسجيل بيقولي للأسف الدبلومة كملت خلاص وهتفتح تاني بس كمان سنة..

طِلعنا جري على مديرة التسجيل أنا وأحمد الصيدلي اللي كان جاي يسجل في نفس الدبلومة عشان قدامه سنة بالظبط ياخد فيها شهادة في الادارة فيقدر ابوه يبعتله من الامارات يشغله في الشركة معاه..
ده اللي حاول أحمد يستعطف بيه المديرة عشان تسجله بأي شكل في أي مجموعة، وفي اي وقت، وبأي رسوم إضافية ولو حتى مفيش كرسي ليه مستعد إنه يحضر المحاضرات على الأرض.
بس لما جه الدور عليا وسألتني المديرة عن سبب تمسكي الشديد بالتسجيل دلوقتي وإيه المانع لما أستنى للسنة الجاية طالما إني شغال ومش ورايا سفر مستعجل؟؟

لاقيتي برد بمنتهي العفوية ((علشان ألحق أسيب مبدأ لأولادي يفتكروني بيه))
خلعت نضارتها وهي بتقولي: لأ..ثواني بس ..إيه دخل أولادك في الدبلومة؟!! ومبدأ إيه اللي إنت بتدور عليه في الدبلومة دي؟؟ وضح لي أكتر علشان أفهم..
لحظتها وأنا برد حسيت فجاءة بإن أطفالي طلعوا من ورا كرسي المديرة وشبوا على طراطيف صوابعهم عشان يطولوا المكتب ويطلعوا يقعدوا فوقه مربعين رجليهم زي السنافر الصغننة البريئة عشان يقعدوا قدامي ويسألوني هما مش المديرة….ليه يا بابا قررت تدرس تاني في الجامعة؟! وليه هتسحب من فلوس ألعابنا ولبسنا وخروجتنا؟!..وليه هاتغيب عننا أكتر وأنت في المحاضرات وإحنا بنستناك بالعافية لما ترجع لنا من الشغل؟!

حاولت تكون اجابتي مش مجرد كلام….كنت عايز اجابتي تبقى حلقة يحطوها في ودانهم..طول عمرهم.
قلتلهم أنا جيت الجامعة علشان بقالي 33 سنة عايش من غير ما أحاول أواجه نفسي باهم سؤال كان لازم اساله ليها من سنيين طويلة……انا مين؟!..وهل انا ماشي في طريق نجاحي ولا ماشي غلط؟!..
وعشان مقعدتش مع نفسي وصارحتها فالوقت المناسب..بدأت أدفع التمن من أغلى سنين شبابي لما دخلت علمي رياضة في الثانوية العامة وأنا أصلا بكره الرياضيات من إبتدائي..وسبت الأدبي اللي كنت بحبه عشان أطلع مهندس زي فُلان أو عِلان..وطبعا فشلت عن جدارة في الفيزياء والرياضيات وجبت مجموع يدخلني كلية التجارة..وبدل ما أتعلم الدرس وأراجع نفسي واختار قسم ادارة الاعمال اللي بحبه, دخلت قسم المحاسبة عشان اتعك فالرياضيات من تاني.. ففشلت من جديد لما قضيت اربع سنين في دراسة مواد بكرهها..ودفعت سنين كتير زيهم وانا شغال محاسب لمجرد اني اكون فقط كرسي في شركة ومرتب آخر الشهر مع طبعا شوية من الأستاذ عمر راح والأستاذ عمر إتنيل على عينه جيه..

وفضلت عايش كده سنة ورا سنة بفرط فيها في حِلمي اللي موش عارفه لحد لما إتجوزت وربنا أكرمني بيكم..
ساعتها بس لما بقيت أب بدأت أفكر..وقعدت لأول مرة مع نفسي وصَارحنا بعض بأننا لازم ندوس فرامل..ونآخد أول مخرج من طريق مابنحبهوش ومش فالحين فيه..ونعيد حسابتنا..ونعرف إحنا فالحين في إيه بالظبط..عشان نمشي في طريقه.
ولاقيت إن أفضل مبدأ ممكن أسيبهولكم كأب..هو مبداْ إخترته وعِشت بيه….(إعمل الصح مهما فوقت متأخر) و(غير طريقك الغلط مهما قطعت فيه كيلوات كتير) أخيرا فهمت إنه “أن تاتي متأخرًا خيرٌ من ألا تأتي مطلقاً”
عشان كده كنت بكلم المديرة بحرقة لأني كنت مستعجل جدًا أحط أول طوبة للمبدأ ده والنهاردة قبل بكرة..واني أعمل الصح وأدرس اللي بحبه وحاسس إني شاطر فيه وهاقدر أقدم فيه وبيه خِدمة للمُجتمع ….وإن قرار زي ده مايستحملشي تأخير للسنة الجاية.

وفعلاً..وافقت المديرة وسجلتني في الدبلومة، وبدأت الطريق الصح، طريق دراسة بحبها وامتياز بتحصل عليه في نهاية كل مادة..وطبعا نهاية إحساس الغُربة والفشل..والأهم من كل ده..تجربة أقدر أورثها لأولادي.
كسبت صداقات جديدة أعتز بها، اتعرفت على ثقافات وعلاقات بأشرف اني قابلتها في الفترة الأخيرة
دي مش قصة نجاح إطلاقا ..ولا موعظة..ولا ندوة تنمية بشرية..ولا محتاج بيها شفقة من أحد
دول بس كلمتين من واحد إتعلم الدرس بعد 33 سنة.
وسعيد إنه إتعلمه وهايعلمه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى