لا تكن ليّناً فتُعصر ولا صلباً فتُكسر

بقلم/ أحمد القاضي

من وجهة نظري أن قوة الشخصية الحقيقية تُقاس بمقدار صمُودها وثباتها أمام تغيُرات الحياة ، وهل تستطيع أن تبقي معدناً نفيساً لا تؤثر فيه عوامل التعرية والصدأ التي تتشابك خيوطها من حوله أم تنجرف في منحدر سحيق من التردي واللامسئولية ، حقا إنه التحد الأصعب والمواجهة الاشرس.

نمط الحياة المعاصر جعل الأحداث الضاغطة المتلاحقة تتخلل حياتنا بأكثر مما نتصور ودون أن نشعر. دوماً أحدث نفسي “أن ظروفك الخاصة لك وحدك ، وأدبك في الحديث وخلقك في تعاملك مع الآخر هو حق للجميع ، فكن حريصا ألا تخلط ظروفك النفسية ومشاكلك بتعاملك مع الآخرين”.

رغم أن بعض العلاقات قد تمتد مدى الحياة إلا أن هذا لا يمنع أن خريطة العلاقات الإنسانية دائمة التغير. فبعض العلاقات تموت نتيجة تغيُر في سلوك أحد الاشخاص وتكراره الإساءة للآخر. هنالك علامات إذا ظهرت من الصديق أو الزميل أو القريب تعني أن العلاقة معه تلفظ أنفاسها الأخيرة.

مما لا شك فيه أن غاية كل إنسان أن يعيش حياة هادئة لا وجود فيها للضغوط النفسية أو مُنغصات الحياة ، وفي ظل مخاوفنا من التعاملات الإنسانية مع الآخرين ومع إنحدار الثقافات وسوء أدب غالب الأجيال الحالية يتبادر للأذهان بعض التساؤلات خصوصاً في بداية أي علاقة .. أيهما أفضل في تعاملاتنا مع الآخر أن “يخاف منك أم يطمئن لك!” ، “يحترمك أم يرهبك!” ، “يدنو منك لكنه يخشاك أم يبعد عنك ويتمنى رضاك!”

يالها من صعوبة قد تواجهها أحيانا اذا إستوقفك موقف لابد ان تُغيير في من طباعك الحالمة وشخصيتك المهذبةكي تتناسب مع واقع مرير وموقف مُهين لا مفر من أن تسترد فيه كرامتك وتكون على مستوى الحدث ، نعم الحدث ، وما هو إلا حدثٌ ما كنت ترغب في مواجهته ليس لضعف منك ولا خوفا من المواجهة نفسها ولكن إيثاراً لسلام نفسي داخلك ورغبة في الإحتفاظ بسماتك الشخصية والتي قد وهبك الله إياها ولا ترغب في تلويثها مع من لا يستحق حتى عناء الرد ، ولكن لا مفر ، فقسوة الموقف وسوء التقدير دفعك لإرتداء ذلك القناع الذي لا يمُت لحقيقتك بصلة ولا يُشبه شخصيتك في شئ ، وبعدما تنتهي المبارزة وتعود لفطرتك السليمة تحاسب نفسك هل كان يستوجب هذا الموقف مُنازلة من هو دون المستوى وهل خرجت من الموقف فائزاً ام خاسراً لاحد اهم سماتك التي لم تكن موجودة الا عند القليل ؟

يا لها من معاناة تلك التي يواجهها أصحاب الأخلاق الراقية في تعاملاتهم في هذه الحياة مع من لا يعرف لغتهم إلا من كان مساويا لهم في الرقي ، فيصبحون مجالا للسخرية من قدر رومانسيتهم وحِلمهم ويصبح حُسن خُلقهم مدعاةً للتنمر والإستهجان.
لا عليك يا صديقي.. لا تجعل حقوقك سهلة المنال بل إجعل ضياعها درباً من الخيال ، ولا تركنً إلى سفيهٍ من أجل مال ، فإن كنت ذا أدبٍ وخلقٍ فشيمة الرجال الأفعال ، وطيبُ الطيبِ طبٌ للقلوبِ ولا مُحال.

وأعلم جيدًا أن الرفق ثمرة لا يُثمرها إلا حسن الخلق وطيب المعاملة ، فقد أخبرنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في احاديثة النبوية المشرفة عن الرفق واللين فقال:
• “إِنَّ الرِّفقَ لا يَكُونُ في شيءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيءٍ إِلَّا شَانَهُ.”
• “من أُعْطِيَ حَظَّهُ من الرِّفْقِ فقد أُعْطِيَ حَظَّهُ من الخيرِ، ومن حُرِمَ حَظَّهُ من الرِّفْقِ فقد حُرِمَ حَظَّهُ من الخيرِ.”
• “إنَّ اللهَ رفيقٌ يحبُّ الرِّفقَ، ويُعطي على الرِّفقِ ما لا يُعطي على العنفِ، وما لا يُعطِي على ما سواه.”
• “ألا أخبركم بمن يحرم على النَّار، وبمن تحرم النَّار عليه؟ على كلِّ هيِّن ليِّن قريب سهل.”
قريب أي: قريبٌ من النَّاس بمجالستهم في محافل الطَّاعة، وملاطفتهم قدر الإستطَّاعة.

سهل أي: بسيط في قضاء حوائجهم، أو بمعنى : أنه سمح القضاء، سمح الاقتضاء، سمح البيع، وسمحٌ في الشِّراء.
صدقت يا رسول الله.
عذرًا يا سيد البشرية .. الرفق في عصور الضلال بات ضعفاً ولكني أعدك بأن أستمر في الرفق إلى أن تنتهي أنفاسي.

أيها السادة : رفقا بالإنسان قبل رفقكم بالحيوان..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى