برامج مقالب رمضان.. حين يفشل الرعب والتكرار والتنمر في إضحاك المصريين

على مدى سنوات طويلة مضت كانت ما يعرف ببرامج “المقالب” حاضرا دائما في البرامج الرمضانية في مصر، حيث أقبل الكثيرون على مشاهداتها بفضل أجواء الإثارة والترفيه التي تتوفر فيها.

لكن الأمر بدأ يتغير خلال السنوات القليلة الماضية وبدا أن هذه البرامج باتت تحقق عكس المقصود، حيث أصابت فئات واسعة من المشاهدين بالملل والغضب، وتعرضت للنقد، بل واتهمها البعض بالسخافة والابتذال ونشر العنف والتنمر في المجتمع.

ورغم أن حالة التململ ثم الغضب من هذه البرامج كانت واضحة وتتصاعد وتيرتها منذ السنوات الماضية؛ لكن الجديد أن حالة الغضب من هذه البرامج أصبحت قاسما مشتركا بين كل المصريين هذا العام كما يظهر من تعليقاتهم على مواقع التواصل.

إنها برامج الكاميرا الخفية أو المقالب، التي ما انفك الإعلام المصري يهرول وراءها بحثا عن ملايين المتابعين ومن ورائهم ملايين الإعلانات والأرباح الضخمة، والتي تتفوق في كثير من الأحيان على الدراما بأنواعها المختلفة.

مطالب سنوية شهدتها مصر لإيقاف هذا النوع من البرامج لما تحتويه من مشاهد عنف وتنمر وأحيانا عنصرية، فضلا عن الاستخفاف بعقول المشاهدين بالاتفاق بين الممثلين على أداء “المقالب”، لكن هذا العام تطورت المطالبات إلى تحذيرات من تأثير بعض تلك البرامج على نشر العنف خاصة بين الأطفال.

مجنون رسمي
بطابع غربي غير معتاد يطل الممثل رامز جلال، مقدم أشهر تلك البرامج الرمضانية، صابغا شعره باللون الأزرق ومفاجئا ضيوفه في صورة قاتل مختل بإحدى سلاسل أفلام الرعب الأميركية.

على مدار حلقات برنامج “رامز مجنون رسمي” يحاول المقدم إجبار الفنانين المقيدين في مقعد متحرك على الانصياع له وأداء ما يأمرهم، مثل تملقه والغناء باسمه.

ومنذ بداية سلسلة برامج “المقالب” التي يقدمها رامز جلال من عام 2011، يتحدث نقاد ونشطاء وفنانون عن أن البرنامج مفبرك وأن الضيوف على علم مسبق بكافة التفاصيل، نظير مبالغ مالية ضخمة، وهو ما ينفيه رامز وإدارة البرنامج على فترات.

ورغم النقد الذي تعرض له البرنامج خلال السنوات الماضية، فإن هذا العام كان الأشد جدلا، وهو ما دفع المجلس الأعلى للإعلام إلى المطالبة بوقفه، وذلك عبر مناشدة وزير الإعلام السعودي حيث يعرض على قناة “أم بي سي مصر” المملوكة للسعودية، وفقا لجمال شوقي رئيس لجنة الشكاوى بالمجلس الأعلى للإعلام.

وأعلن محمد العمري وكيل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، عقد اجتماع طارئ للجنة الشكاوى لمناقشة شكوى مستشفى الصحة النفسية الحكومي ضد البرنامج.

وكان مستشفى الصحة النفسية طالب النائب العام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بفتح تحقيق عاجل والتدخل الفوري لوقف عرض البرنامج بوصفه “يسيء للمجتمع المصري وصحته النفسية”.

وجاء في بيان للمستشفى “وجدنا أن البرنامج يحمل الكثير من العنف والتعذيب والسخرية والاستهانة بالضيوف والتلذذ بالآلام التي يسببها للآخرين”.

وأضاف البيان “اسم البرنامج يسيء للمريض النفسي، ويزيد من وصمة المرض النفسي، والتي تحاول الدولة جاهدة في إزالة هذه الوصمة، مشيرة إلى وجود تهديدات على الصحة النفسية للطفل، حيث إن الطفل يميل إلى تعلم سلوكياته بالتقليد، وميل العديد من مقدمي نوعية هذه البرامج إلى بعض الممارسات، والتي تعد أعراضا لاضطرابات نفسية، مثل التباهي بممارسة نفوذهم وهي النرجسية”.

وأكد البيان أنه في حال عدم معرفة الضيوف بطبيعة البرنامج فقد يتعرضون إلى أعراض القلق والتوتر وكذلك نوبات من الخوف والهلع واضطراب ما بعد الصدمة، ولكن في حالة معرفتهم بطبيعة البرنامج فتلك رسالة سلبية شديدة الخطورة لكل أفراد المجتمع وهي أن الغاية تبرر الوسيلة.

دجل وعنصرية
من البرامج التي أثارت جدلا أيضا بسبب ما وصفه المتابعون بـ “السخافة والدجل والعنصرية” برنامج “خلي بالك من فيفي” المذاع أيضا على قناة “أم بي سي مصر” السعودية، وتقدمه الراقصة والممثلة فيفي عبده.

البرنامج يقدم وجبة من الحيل المكررة في محاولة يبدو أنها فشلت في الإضحاك، حيث أصوات المفرقعات دون سبب والصراخ طوال الوقت، مع نكهة عنصرية بوجود الخادمة السمراء الضخمة، فضلا عن إشاعة الدجل بادعاء الخادمة أنها تُصرع بسبب الجن، لتقوم فيفي عبده برش الملح وإشعال البخور، قبل أن تتعرض للإغماء في النهاية دون مبرر.

سرقة الفكرة
برنامج آخر أثار الجدل لكن هذه المرة حول سرقة الفكرة، وهو برنامج “محدش فاهم حاجة” الذي يقدمه الممثل محمد ثروت، حيث اتهمه الفنان الكوميدي حسين مملوك، بسرقة اسم البرنامج وفكرته، مؤكدا تقديم بلاغ بالواقعة خاصة أن برنامجه مسجل لدى الجهات الرسمية، وسبق تقديم حلقات منه قبل أربعة أعوام.

البرنامج المذاع أيضا على قناة “أم بي سي مصر” السعودية يدور في نفس فلك برامج الكاميرا الخفية، حيث يعتمد على تنفيذ مقالب في الشارع، بصورة تعيد للأذهان برنامج الكاميرا الخفية للممثل إبراهيم نصر.

ويتعرض الجمهور في الشارع إلى بعض المواقف المرعبة التي أصابت بعضهم بحالة صدمة، مثل ما حدث في حلقة لمحل جزارة يبيع لحوم الحمير، وعندما اعترض الزبون اجتمع عليه العاملون وطرحوه أرضا مهددين بقتله، مما أصابه بالرعب والبكاء.

“الترند” والمضمون
“البحث عن “الترند” وزيادة المشاهدات يجرد وسائل الإعلام من مضمونها ووظائفها الأساسية التي يجب أن تقدمها للجمهور”، هكذا عقبت أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس سامية خضر.

وفي حديثها للجزيرة نت، أشارت خضر إلى أن تزايد وتيرة المقالب وتعريض الضيوف للخطر يأتي من أجل جذب المشاهدات، وهو أمر يشير إلى غياب الرقابة.
اعلان

وأضافت أن تحول وسائل الإعلام في مصر من وسائل تقدم المضمون القيم إلى المضامين التافهة، يعكس غياب دور الرقابة على تلك المنصات الإعلامية، مما يصب في صالح ظهور أعمال خاوية من أي مضمون إيجابي، في ظل اتساع نفوذ رجال الأعمال وإهمال القيم والبرامج الهادفة، وهو ما يعكس مناخا عشوائيا يظهر في صورة ممارسات إعلامية وفنية تظهر خلال كل عام بشهر رمضان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى