جوائز أوسكار.. نادي الرجال الذي يصعب على النساء عضويته

قبل عشر سنوات حققت المخرجة كاثرين آن بيغلو ما عجزت عنه مخرجات جنسها الأميركيات منذ الإعلان عام 1929 عن بدء منح جوائز أكاديمية فنون وعلوم الصورة المتحركة (أوسكار).

“بيغلو” هي المرأة الأولى والوحيدة التي فازت بجائزة أفضل إخراج، التي طالما احتكرها الرجال، بفيلمها التاسع في مسيرتها الفنية “خزانة الألم”، فقائمة المرشحين عن هذه الفئة خالية أيضا هذا العام من أي اسم نسائي.

لكن ما السر وراء فوز “بيغلو”.. هل قدمت وصفة سينمائية لم تخطر على بال امرأة؟ أم الحظ رافقها دون غيرها؟ أم أنها استطاعت وحدها النجاة من تمييز متعمد ضد المخرجات يمارسه القائمون على الأوسكار؟

التميز الفني
رجح محمد كامل (ناقد وباحث سينمائي مصري) فرضية “الحظ والتمكن من الأدوات” ليكونا السبب وراء فوز بيغلو، مستبعدا أي دوافع تميز ضد المرأة، وهو الرأي الذي بات سائدا في الصحافة العالمية وبين عدد من السينمائيين تماشيا مع حركات التمكين النسوية.

وقال للجزيرة نت “في (خزانة الألم) لدينا مخرج متمكن فعليا من كل أدواته وأسلوبه واضح ومعبر، لذا تفوقت بيغلو على منافسها الشرس حينها جيمس كاميرون بفيلمه أفاتار، لأن أفاتار قدم تقنية سينمائية جديدة وعظيمة، لكن على مستوى الأسلوب الفني لا جديد؛ مجرد رحلة بطل اعتيادية مثل الأساطير اليونانية”.

وأبرز كامل قدرات بيغلو قائلا “رغم موقفي السياسي من الفيلم (كمناهض للحرب على العراق وضد تصوير الأميركيين على أنهم ضحايا أو مخلصين) فإن الفيلم استطاع نقل واقع الجنود الأميركيين الجحيمي في العراق، لا سيما فرقة تفكيك القنابل”.

وتابع كامل “استخدمت المخرجة أسلوبا للتصوير أشبه بكاميرات سيارات الشرطة (كأنه تصوير واقعي من قلب الحدث)، والقطع السريع واللقطات القريبة جدا من وجوه الممثلين؛ فكانت كلها عناصر جعلتني دائما في حالة من الضغط العصبي كالتي يعيشها مفكك الألغام”.

تاريخ أوسكار النسائي
ورغم الإشادة بقدرات بيغلو، ورفض فكرة ممارسة لجنة الأوسكار عنصرية متعمدة ضد صانعات الأفلام، فإن كامل يميل إلى فكرة أن قلة عدد المخرجات “وراء غياب الأسماء النسائية عن قائمة مرشحي أوسكار أفضل إخراج، وترشح خمس مخرجات فقط منذ انطلاق جائزة أوسكار”.

وأردف الناقد الفني محمد كامل أن “عدد المخرجات قليل مقارنة بالرجال، مما يفسر قلة ترشحهن في فئة الإخراج”، غير أنه شدد على أن تفجير أزمة فيلم “ليتل وومن” (نساء صغيرات) لغريتا غيرويغ هذا العام قد يدفع أكاديمية الأوسكار إلى إطلاق جائزة أفضل مخرجة، كفئة مستحدثة، باعتبار أن الأكاديمية دائما تعوم مع التيار السائد، الذي يهتم الآن بتمكين المرأة”، حسب وصفه.

انتقادات حادة
وبرزت هذا العام انتقادات حادة للجنة ترشيحات أوسكار لاستبعاد فيلم “نساء صغيرات”، وهو الثالث في مسيرة غيرويغ الإخراجية من قائمة أفضل إخراج، واقتصار القائمة على خمسة ذكور، وهم مارتن سكورسيزي عن “الأيرلندي”، وتود فيليبس عن “الجوكر”، وكوينتن تارانتينو عن “حدث ذات مرة في هوليوود”، وسام مينديس عن “1917”، وبونغ جون عن “الطفيلي”.

وحول أزمة “نساء صغيرات”، قال اللبناني جورج ريشاني مدير فني “آرت ديركتور”، إن المقارنة ظالمة عندما يتم الحديث عن عدم ترشيح الفيلم في فئة أفضل إخراج للدورة 92 من الأوسكار.

وقال “بالتأكيد قدمت غيرويغ فيلما جيدا، لكن لا يمكن مقارنته بإخراج سكورسيزي أو تارانتينو”.

وطالب ريشاني صانعات الأفلام حول العالم “بالمثابرة وعدم التخلي عن شغفهن حتى لو أخرجن عشرات الأفلام من دون جوائز”.

وتابع “عندما رشحت اللبنانية نادين لبكي لجائزة أفضل فيلم أجنبي العام الماضي، كان فخرا لنا فهي ابنة بلدي، لكن عندما ننظر إلى منافسها في القائمة وهو الفيلم المكسيكي “روما” نلاحظ تفوق الأخير في جميع العناصر الإخراجية؛ مما يبرر عدم فوز فيلم (كفر ناحوم) لنادين، وليس لأن هناك عنصرية ضد المخرجات”.

نادي الرجال
من جهتها، وصفت المخرجة التركية إيلام كافتان لجنة الأوسكار بأنها “ناد للرجال” (وهو مصطلح يطلق على التجمعات التي يستثنى من عضويتها النساء).

وقالت للجزيرة نت “استبعاد الترشيحات النسائية لفئة الإخراج تقليد متبع منذ أكثر من تسعين عاما، وليس مفاجئا بالنسبة لنا، فمن يختارون المرشحين للأوسكار أغلبهم رجال فوق الستين”.

ورأت كافتان -المخرجة الوحيدة في تركيا التي قدمت فيلما روائيا طويلا خلال العام الماضي عنوانه “خلية النحل”- أن موقف القائمين على الأوسكار من النساء دفعهن إلى تشكيل مجموعات داعمة لبعضهن البعض، دون الإشارة بشكل مباشر إلى وجود عنصرية متعمدة ضدهن.

وأضافت “أتفق مع الانتقادات التي تشير إلى أن المجتمع لا ينظر إلى المخرجات كما ينظر إلى المخرجين، وذلك بغض النظر عن الأفلام الجيدة التي يصنعنها”.

وتابعت “بصفتنا صانعات أفلام يتم استبعادنا من هذا النادي الذكوري، نشكل مجموعات التضامن الخاصة بنا لدعم بعضنا البعض، لأنه ما زال من الصعب علينا كسر السقف الزجاجي غير المرئي الذي أنشأه الرجال المهيمنون على المؤسسات حول العالم”.

واعتبرت كافتان أن مجرد الحديث عن صانعات الأفلام في العالم يزيد وعي المجتمع، مضيفة أن “أمامنا طريقا طويلا لنقطعه قبل أن يتم الاعتراف بنا بشكل كامل في عالم الإخراج، لكنني أعتقد أن المستقبل سيكون للمرأة، وسنروي قصصنا بأي وسيلة ممكنة”.

ويتم التصويت في فئات الأوسكار بإرسال أوراق الاقتراع عبر البريد لأعضاء أكاديمية فنون وعلوم الصورة، الذين بلغ عددهم هذا العام ثمانية آلاف و469 عضوا.

وفي عام 2012، أجرت صحيفة “لوس أنجلوس تايمز” الأميركية إحصاء معمقا وجدت من خلاله أن 94% من المصوتين بيض البشرة، وأن 77% ذكورا، كما كان متوسط أعمارهم هو 62 عاما.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى